الجمعة، 10 أكتوبر 2014

العالم غداة الحرب العالمية الأولى


تقديم: تضررت مصالح الدول الأوربية الاقتصادية وظهر تنافس إمبريالي بينها حول اقتسام العالم، الشيء الذي أدى إلى انقسام دول أوربا إلى أحلاف عسكرية، متسببة في اندلاع أول حرب عالمية سنة 1914، والتي خلفت ورائها خسائر مادية وسياسية جسيمة أرغمت الدول المتصارعة على إقرار الصلح والسلم بعد نهاية هذه الحرب من خلال معاهدة فرساي بفرنسا. فما هي أسباب حدوث الحرب العالمية الأولى؟ وما هي التحولات الترابية والسياسية التي عرفتها أوربا بعد الحرب؟ وما أهم النتائج التي ترتبت عنها؟
1) أسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى
التنافس الاستعماري: نتج عن التنافس الإمبريالي خلال القرن19 تزايد التوتر بين دول أوربا، وأدى ذلك إلى زيادة النفقات العسكرية والتسابق نحو التسلح، بحرا بين إنجلترا وألمانيا وبرا بين فرنسا وألمانيا. وكان التوتر قويا بين فرنسا وألمانيا بسبب منطقتي الألزاس واللورين منذ حرب 1870.
تكوين التحالفات: تكونت بأوربا أحلاف وتكتلات أهمها التحالف الثلاثي
بين ألمانيا والنمسا- هنغاريا وإيطاليا (دول المركز) سنة1882، وكان موقف إيطاليا متذبذبا، وبالمقابل تم عقد اتفاقية عسكرية بين روسيا وفرنسا سنة1892، وتطور بتكوين وفاق ثلاثي  بانضمام انجلترا سنة 1907 (دول الوفاق).
الأزمة البلقانية
: نتج عن تراجع الدولة العثمانية في منطقة البلقان حدوث نزاع بين الدول الصغرى بالمنطقة، وحدوث صراع بين روسيا التي ترغب في الحصول على منفذ على البحر المتوسط (الدردنيل والبوسفور) ولذلك دعمت صربيا (العنصر السلافي)، وبين النمسا والقوة السياسية الكبرى في أوربا الوسطى، التي ترغب أيضا في الحصول على منفذ على البحر. فبدأت الأزمة البلقانية الأولى بقيام الإمبراطور النمساوي فرانسوا جوزيف بضم البوسنة والهرسك في5 أكتوبر1908، وكذلك بمطالبة صرب البوسنة بالانضمام إلى صربيا. وكانت الأزمة الثانية سنة1913 بتوسع صربيا ترابيا على حساب المناطق المجاورة (مقدونيا)، ولم تقبل بلغاريا والنمسا بذلك.
حادثة سراييفو
: 1914 تم مقتل ولي عهد النمسا فرانسوا فرديناند من طرف طالب بوسني  أثناء زيارته لمدينة سراييفو عاصمة البوسنة، وتعتبر الحادثة السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى، فقد رأت النمسا الفرصة مناسبة حيث أرسلت إنذارا أعطت فيه مهلة 48 ساعة لقبول شروط منها إشراف موظفين نمساويين على التحقيق في حادثة الاغتيال، ورفضت صربيا ذلك، فأعلنت النمسا الحرب عليها في27  يوليو، وأعلنت روسيا التعبئة العامة ومساندتها لصربيا، وقامت ألمانيا بتوجيه إنذار لروسيا (لإيقاف الاستعدادات) وفرنسا (لإعلان الحياد في حالة حدوث الحرب)، وأعلنت مساندتها للنمسا والحرب في 1 غشت، ودعمت فرنسا وإنجلترا روسيا.
2) دراسة معاهدة فرساي وأبعادها
الحرب العالمية الأولى أدت إلى تقسيم الدول الأوربية إلى دول منتصرة (إيطاليا-انجلترا- فرنسا). أما الدول المنهزمة فهي (ألمانيا – النمسا- الإمبراطورية التركية). الحرب ستنتهي بتقديم طلب الهدنة، وتلاها مؤتمر السلام الذي انعقد في باريس بقصر فرساي ما بين يناير ويونيو 1919، وقد حضره الأربعة الكبار أولهم الرئيس الأمريكي (ويلسون)، والثاني رئيس الحكومة الفرنسية (كليمانصو)، والثالث هو وزير خارجية إيطاليا (أورلاندو)، والرابع وزير خارجية بريطانيا (لويد جورج).
3) أهم بنود معاهدة فرساي
يمنع على ألمانيا تسليح ضفتي نهر الراين + تعود منطقتا الألزاس واللورين إلى السيادة الفرنسية + تعترف ألمانيا باستقلال وحدود كل من النمسا و تشيكوسلوفاكيا وبولونيا + تتنازل ألمانيا عن مستعمراتها في ما وراء البحار + تحديد الجيش الألماني في 100 ألف جندي + يمنع على ألمانيا صنع المدافع + إلغاء الخدمة العسكرية + منع سلاح الجو في القوات العسكرية الألمانية + تلتزم ألمانيا بدفع تعويضات عن كل الخسائر التي لحقت بالحلفاء.
4) مراحل الحرب العالمية الأولى
المرحلة الأولى:
انطلقت الحرب باكتساح ألمانيا لبلجيكا وهي دولة محايدة، وهجوم سريع على فرنسا، وفي نفس الوقت تم إرسال قوات ألمانية إلى الجبهة الروسية، ووجدت القوات الألمانية نفسها في الجبهة الغربية أمام تحالف للجيوش الفرنسية والإنجليزية وكانت المواجهة في هذه الجبهة عنيفة، ودخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا حيث أغلقت مضيق الدردنيل لمنع وصول الإمدادات الفرنسية والإنجليزية إلى روسيا
.
المرحلة
الثانية:
انتقلت القوات المتحاربة إلى حرب المواقع بسبب فشل الخطط الهجومية وذلك بحفر الخنادق المحاطة بالأسلاك الشائكة، ولذلك كان تقدم القوات بطيئا، وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في عدد القتلى والجرحى، وعرفت الحرب استخدام أسلحة جديدة وخاصة الدبابات والطائرات والغواصات والغازات الخانقة، وتم توجيه الاهتمام في الميدان الصناعي إلى إنتاج الأسلحة
. وأدى ضرب الغواصات الألمانية للسفن التجارية الأمريكية إلى إعلان الرئيس ولسون الحرب على دول المركز، في حين انسحبت روسيا بعد حدوث الثورة وتوقيع معاهدة بريست ليتوفسك بين ألمانيا وروسيا. وفي يوليو 1918 حدثت معركة المارن الثانية حيث نتج عن الهجوم الألماني على باريس استنزاف القوات الألمانية، التي بدأ تراجعها بوصول القوات الأمريكية، فانهارت بلغاريا في شتنبر، والدولة العثمانية في أكتوبر، والنمسا- المجر وألمانيا في 11 نونبر.
5) نتائج الحرب العالمية الأولى
النتائج البشرية والاجتماعية: نتج عن الحرب سقوط الملايين من القتلى والجرحى، والمفقودين، والمعطوبين. وانتشار الأوبئة وارتفاع نسبة الوفيات وأدى ذلك إلى تراجع الساكنة النشيطة وارتفاع نسبة الإناث والشيوخ. ودخول النساء ميدان الشغل، وظهور أثرياء الحرب وتزايد عدد الفقراء.
النتائج الاقتصادية
: دمرت الحرب الدور السكنية والطرق والسكك الحديدية والقناطر والمسالك النهرية والأراضي الفلاحية والمصانع والمناجم فانخفض الإنتاج الفلاحي والصناعي (التوجه نحو الإنتاج الحربي) واضطرت دول أوربا إلى الاستدانة من الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت مزود دول أوربا بالمنتجات الفلاحية والصناعية خلال وبعد الحرب، وتضاعف فائضها التجاري واحتكرت نصف الاحتياطي العالمي للذهب، وأصبحت مركز القوة على المستوى الاقتصادي بدل بريطانيا + خلال الحرب استخدمت الدول الاستعمارية مستعمراتها بتجنيد الجنود واستغلال مواردها الاقتصادية.
6) التحولات الترابية والسياسية بعد الحرب
تغيرات ترابية: تمثلت في سقوط الإمبراطوريات العظمى (ألمانيا، النمسا، المجر، تركيا العثمانية، روسيا القيصرية) وتغيرت الخريطة السياسية لأوربا لصالح الدول المنتصرة وظهرت دول جديدة (تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا) على حساب أقليات قومية.
تغيرات سياسية: يوم 28 أبريل 1919 تأسست عصبة الأمم بضغط من الرئيس ولسون، وتضم الجمعية العامة وتعقد دورة في السنة، ومجلس العصبة يتكون من أربع أعضاء دائمين: فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، واليابان، والأعضاء المؤقتين ( 8-4) ينتخبون كل ثلاث سنوات، ويجتمع ثلاث مرات في السنة، وتديرها كتابة عامة ولجان متخصصة، ووظفت عصبة الأمم لصالح المصالح الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية.
7) الوضعية الاقتصادية لأوربا بعد الحرب
بعد ما كانت أوربا سيدة العالم خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، خرجت من الحرب العالمية الثانية مذلولة، فقد أصبحت عاجزة عن تسديد ديونها لأمركا، بذلك انحطت أما أعين مستعمراتها لتبدأ فكرة التحرر من الاستعمار.
8) عوامل تراجع مكانة أوربا
عوامل
سياسية واجتماعية: تجزئة المجال الأوربي بسبب معاهدة فرساي+ تنامي الحواجز الجمركية بين البلدان الجديدة+ ثقل الخسائر البشرية+ يقظة الوعي الوطني بالمستعمرات+ تنامي الانقسامات السياسية والتوترات الاجتماعية. اقتصادية: فقدان الأسواق التقليدية بكل من أمريكا اللاتينية وروسيا+ بروز قوى رأسمالية جديدة خلال وبعد الحرب.
9) ظهور قوى اقتصادية جديدة (و.م.أ) واليابان
استفادت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان من تمويلهما للحرب العالمية الأولى، حيث سخرتا كل إمكانياتهما لتلبية حاجيات الدول المتحاربة، تزايدت بنيتهما الاقتصادية وتضاعف إنتاجهما الصناعي والفلاحي، كما تضاعف فائضهما التجاري. واستحوذت أمركا على نصف الاحتياط العالمي من الذهب، وشكل تحول تقل مركز النقد الدولي من بورصت لندن إلى بورصت وول ستريت بداية الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العالم.

خاتمة: كانت للحرب العالمية الأولى نتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة، كما كانت لها آثارا بعيدة المدى ستؤثر على العالم وخاصة أوربا إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق